الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
.[فرع: أخر الزكاة أحوالا] وإن أقامت في يده خمس من الإبل ثلاثة الأحوال لم يزك عنها.. فإن بالحول الأول تجب فيه الشاة.فإذا جاء الحول الثاني: فإن قلنا: تجب الزكاة في الذمة، وكان له مال من غير الإبل بقدر قيمة الشاة في جميع الحول الثاني، أو لم يكن له مال، ولكن قلنا: الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. فإنه تجب عليه شاة أخرى. فإذا حال الحول الثالث، وكان يملك من غير الإبل في جميع الحول الثالث بقدر قيمة الشاتين، أو لم يكن له مال غير الإبل، ولكن قلنا: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. وجبت عليه شاة ثالثة. وإن قلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة.. وجبت عليه شاة في الحول الأول، ولا يجب في الثاني ولا في الثالث شيء. وإن قلنا: الزكاة تتعلق بالعين.. ففيه قولان: أحدهما: تجب في السنة الأولى شاة، ولا يجب في السنة الثانية والثالثة شيء؛ لأن المساكين قد استحقوا في الحول الأول بقدر شاة، وبقي معه دون النصاب، فهو كما لو كان معه أربعون من الغنم، فحال عليها ثلاثة أحوال.. لم يزك عنها.. فإنه لا تجب عليه زكاة الثانية والثالثة على هذا القول. والقول الثاني: يجب فيه ثلاث شياه لثلاث سنين؛ لأن الشاة التي تجب في الأولى لا تؤخذ من عين المال، وإنما يؤخذ بدلها، فتكون من الإبل بقدر شاة رهنا بتلك الشاة، والرهن لا يمنع وجوب الزكاة. هكذا ذكر أصحابنا. والذي تبين لي: أن على هذا القول يجب أن يكون الحكم كالحكم فيها إذا قلنا: الزكاة تجب في الذمة، وهو أن ينظر فيه: فإن كان يملك قدر قيمة الشاة في الحول الثاني، وقدر قيمة الشاتين في الحول الثالث.. وجب عليه ثلاث شياه، وإن كان لا يملك شيئا غير هذه الإبل.. كان على القولين في الدين، هل يمنع وجوب الزكاة؟ وإن ملك ستا من الإبل، فحال عليها ثلاثة أحوال، ولم يؤد زكاتها فيها.. فإن الشيخ أبا حامد قال: يجب فيها ثلاث شياه بكل حال؛ لأن معه أكثر من نصاب؛ لأنه إذا أخرج لكل سنة شاة، يكون الباقي نصابا. وهذا الذي قاله الشيخ أبو حامد صحيح إذا كانت قيمة واحدة من هذه الست في جميع الحول الثاني تساوي قيمة شاة، وكانت هي أو غيرها تساوي في الحول الثالث قيمة شاتين. .[فرع: تأجيل الزكاة أحوالا] إذا كان معه خمس وعشرون من الإبل، وأقامت في يده ثلاثة أحوال لم يؤد زكاتها.. فإن بحؤول الحول الأول يجب عليه ابنة مخاض.فإذا حال الحول الثاني: فإن قلنا: الزكاة تجب في الذمة، والعين مرتهنة بها، فإن كان له مال من غير الإبل يفي بقيمة ابنة مخاض في جميع الحول الثاني، أو لم يكن له مال، ولكن قلنا: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. وجبت عليه بحؤول الحول الثاني ابنة مخاض ثانية. فإن كان يملك في جميع الثالث مالا من غير الإبل، بقدر قيمة ابنتي مخاض، أو لم يكن له مال، ولكن قلنا: إن الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. فعليه ابنة مخاض ثالثة بحؤول الحول الثالث. وإن قلنا: الزكاة تجب في العين أو في الذمة، ولا مال له غيرها، والدين يمنع وجوب الزكاة.. فعليه ابنة مخاض بحؤول الحول الأول، ويجب عليه في الحول الثاني أربع شياه، وكذلك في الثالث أربع شياه. .[فرع: مرور أحوال بلا زكاة] إذا كان معه أحد وتسعون من الإبل، فحال عليها ثلاثة أحوال لم يزك عنها.. فإن بحؤول الحول الأول يجب عليه حقتان.فإذا حال الحول الثاني: فإن قلنا: الزكاة تجب في الذمة، والعين مرتهنة بها، فإن كان له فيه مال من غير الإبل بقدر قيمة الحقتين في جميع الحول الثاني، أو لم يكن له مال، وقلنا: الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. فإنه يجب عليه حقتان بحؤول الحول الثاني. فإذا حال الحول الثالث: فإن كان له في الحول الثالث مال غير الإبل يفي بقيمة أربع حقاق، أو لم يكن له مال، ولكن قلنا: الدين لا يمنع وجوب الزكاة.. وجب عليه حقتان أيضا بحؤول الحول الثالث. وإن قلنا: الزكاة استحقاق جزء من العين.. وجب عليه بحؤول الأول حقتان؛ لأن نصابه تام، ويجب عليه بحؤول الحول الثاني ابنتا لبون، وكذلك بحؤول الثالث أيضا. وهكذا إذا قلنا: تجب الزكاة في الذمة، ولا مال له غيره، وقلنا: الدين يمنع وجوب الزكاة.. فالحكم فيه كالحكم إذا قلنا: الزكاة استحقاق جزء من العين. .[مسألة: وجوب بنت مخاض] إذا ملك خمسا وعشرين من الإبل، فقد ذكرنا أن عليه ابنة مخاض، وفيها ست مسائل:الأولى: إذا كان واجدا لها في إبله.. فيلزمه إخراج ابنة مخاض على صفة إبله، ولا يجوز له إخراج ابن لبون؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن لم يكن فيها ابنة مخاض.. فابن لبون ذكر». وهذا في إبله ابنة مخاض، فدل على: أنه لا يجزئه إخراج ابن لبون. الثانية: إذا لم يكن في إبله ابنة مخاض، ولا يقدر على شرائها، وكان فيها ابن لبون ذكر.. جاز له إخراجه من غير جبران؛ للخبر، ولأن فيها فضيلة بالأنوثية، ولكنها لا تصل حيث يصل ابن لبون من الرعي، ولا تمتنع من صغار السبع كامتناعه، ففيه فضيلة بهذا، وينقص عنها لكونه ذكرا، فاستويا. الثالثة: إذا لم يكن في إبله ابنة مخاض، وكان هو يقدر على شرائها، وعنده ابن لبون.. فيجوز له إخراج ابن لبون، ولا يلزمه شراء ابنة مخاض. والفرق بين هذه، وبين من وجبت عليه في الكفارة رقبة لا يملكها، ويقدر على ثمنها: أنه يلزمه شراؤها؛ لأن الله تعالى قال في الكفارة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4]. ومن وجد الثمن.. فهو قادر على الرقبة، وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الزكاة: «فإن لم يكن في إبله ابنة مخاض، فابن لبون». وهذا ليس في إبله ابنة مخاض. الرابعة: إذا لم يكن في إبله ابنة مخاض، ولا ابن لبون، وكان قادرا على شرائهما.. فقال الشافعي: (هو بالخيار بين أن يشتري أيهما شاء). وقال مالك: (لا يجزئه أن يشتري ابن لبون، بل يشتري ابنة مخاض). وحكاه صاحب "الإبانة" [ق \ 111] وجها لصاحب " التقريب ". دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن لم يكن في إبله ابنة مخاض.. فابن لبون ذكر». فأجاز له إخراج ابن لبون، إذا لم يكن في إبله ابنة مخاض، ولم يفرق بين أن يقدر على شرائها، أو لا يقدر. الخامسة: إذا لم يكن في إبله ابنة مخاض، فأخرج مكانها حقا.. أجزأه؛ لأنه أفضل من ابنة مخاض وابن لبون. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وأطلق. والذي يقتضي المذهب: أنه لو طلب معه الجبران.. لم يعط؛ لأن الجبران إنما يكون بين الإناث، وهاهنا: لا يعلم الفضل بينهما. وإن أراد أن يخرج الحق مكان ابنة لبون.. لم يقبل منه؛ لأنهما يتساويان في ورود الماء والشجر، وتفضل عليه بالأنوثة. السادسة: إذا كانت إبله مهازيل، وفيها ابنة مخاض سمينة.. لم يلزمه إخراجها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إياك وكرائم أموالهم»، فإن أخرجها.. أجزأه، وقد تطوع بأكثر مما عليه. وإن اشترى ابنة مخاض بصفة ماله، وأخرجها.. جاز. وإن أراد إخراج ابن لبون.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو المنصوص -: (أنه يجزئه)؛ لأن التي عنده لا يلزمه إخراجها، فكان وجودها كعدمها. والثاني - ولم يذكر في "التعليق" غيره -: أنه لا يجزئه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإن لم يكن في إبله ابنة مخاض.. فابن لبون». وهذا في إبله ابنة مخاض تجزيء. .[مسألة: جبران السنين] ومن وجبت عليه سن من هذه الأسنان المذكورة، وليس عنده إلا ما هو أسفل منها بسنة.. فإنها تقبل منه، ويدفع معها شاتين أو عشرين درهما، وإن وجبت عليه سن وليس عنده إلا ما هو أعلى منها بسنة، واختار دفعها.. قبلت منه، ويعطيه الساعي شاتين أو عشرين درهما، وقال الثوري، وأبو عبيد، وإحدى الروايتين عن إسحاق بن راهويه: الجبران شاتان، أو عشرة دراهم. وروي ذلك عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.دليلنا: ما روى أنس في (كتاب الصدقة). فإن وجبت عليه جذعة، ولم يكن فيها جذعة، وفيها حقة.. فإنها تقبل منه، ومعها شاتان أو عشرون درهما، ومن بلغت صدقته الحقة، وليس عنده إلا ابنة لبون.. فإنها تقبل منه، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته ابنة لبون، وليست عنده، وعنده ابنة مخاض.. فإنها تقبل منه، ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض، وليست عنده، وعنده ابنة لبون.. فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما، أو شاتين، فإن وجبت عليه جذعة، وليست عنده، وعنده ثنية، فإن دفعها، ولم يطلب الجبران.. قبلت منه؛ لأنها أعلى من الفرض بسنة، وإن طلب الجبران.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو المنصوص -: (أنه يعطى)؛ لأنها أعلى من الفرض بسنة. والثاني: لا يعطى؛ لأن الجذعة تساوي الثنية؛ لورود الماء والشجر. وإن وجبت عليه ابنة مخاض، ولم تكن عنده، وأراد أن يعطي ما لها دون السنة، ويدفع الجبران.. لم يجز؛ لأن ما دونها ليس بفرض مقدر. وإن كانت إبله مراضا، ولم يكن الفرض فيها، فأراد أن يصعد إلى فرض مريض، ويأخذ الجبران.. لم يجز؛ لأن الجبران بين المريضين أقل مما بين الصحيحين. وإن أراد أن ينزل إلى فرض مريض، ويدفع الجبران.. جاز؛ لأنه متطوع بالزيادة. وإن لم يكن عنده الفرض المنصوص عليه، وعنده أعلى منه بسنة وأنزل منه بسنة، فإن اتفق رب المال والساعي على الصعود أو النزول مع الجبران.. جاز. وإن اختلفا، فدعا أحدهما إلى الصعود، والآخر إلى النزول.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو المنصوص -: (أنه يقدم اختيار الساعي؛ ليأخذ للمساكين الأنفع لهم). الثاني: يقدم اختيار رب المال؛ لأنه هو المعطي. وهذا ليس بشيء. وإن لم يوجد في المال الفرض المنصوص عليه، ووجد ما هو أعلى منه بسنتين.. قبل منه، وأعطاه الساعي أربع شياه، أو أربعين درهما. وهكذا: إذا لم يوجد في المال إلا ما هو أنزل من الفرض بسنتين.. قبل منه مع أربع شياه، أو أربعين درهما، قياسا على الجبران بسنة. وحكى ابن الصباغ: أن من الناس من قال: لا يجوز، واختاره ابن المنذر. دليلنا: أن كل سن جاز العدول عنه إلى ما يليه بسنة مع الجبران.. جاز العدول عنه إلى ما يليه بسنتين مع الجبران، كما لو دفع أعلى مما يجب عليه بسنتين من غير جبران. وإن وجبت عليه ابنة لبون، وليست عنده، وعنده حقة وجذعة، فأراد رب المال أن يدفع الجذعة، ويأخذ أربع شياه، أو أربعين درهما.. فهل يجوز؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأنه قد عرف ما بينهما. والثاني: لا يجوز، وهو الصحيح؛ لأنه قد كان يمكنه أن يدفع ما هو أعلى بسنة وجبرانا واحدا، فلم يجز له العدول عنه إلى جبرانين، كما لو وجد الفرض، وأراد أن يعدل إلى غيره مع الجبران. ومن وجبت عليه شاتان، أو عشرون درهما.. فالخيار إليه، فإن كان الذي يدفع الجبران هو رب المال.. فالأولى أن يدفع الأكثر من الشاتين أو عشرين درهما؛ لأنه أكثر ثوابا، وإن أراد أن يدفع أدونهما.. جاز؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره بينهما، وإن كان الذي يدفع الجبران هو الساعي.. فلا يجوز أن يعطي إلا أقلهما؛ لأنه ناظر لغيره، فإن كان في بيت المال شيء.. دفع الإمام منه ذلك؛ لأنه مصلحة لأهل السهمان، وإن لم يكن في بيت المال شيء، باع الساعي مما في يده للمساكين، وسلمه جبرانا؛ لأنه ناظر للمساكين، فهو كولي اليتيم. فإن أراد الدافع منهما أن يدفع شاة وعشرة دراهم.. لم يجز؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خيره بين شيئين، فلا يجوز أن يخيره بين ثلاثة أشياء، وإن أراد من وجب عليه في الجبران أربع شياه، أو أربعون درهما، فأراد أن يعطي شاتين وعشرين درهما.. كان له ذلك؛ لأنهما جبرانان. .[مسألة: فيما يجب بالمائتين من الإبل] وإن كان معه مائتان من الإبل:فقال الشافعي في الجديد: (يحب فيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون). وقال في القديم: (يجب فيها أربع حقاق). فمن أصحابنا من قال: فيه قولان: أحدهما: يجب فيها أربع حقاق لا غير؛ لأن تغير الفرض بالسن في الإبل أكثر من تغيره بالعدد، ألا ترى أنه يجب في مائة وستين أربع بنات لبون، ثم كلما زادت الإبل عشرا.. تغير الفرض فيها بالسن؟ فإذا بلغت مائة وتسعين.. ففيها ثلاث حقاق، وبنت لبون، فإذا بلغت مائتين.. وجب التغيير بالسن أيضا، فيجب أربع حقاق. والقول الثاني: يجب فيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، وهو الصحيح؛ لما روى سالم بن عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، يرفعه في نسخة كتاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فإذا بلغت مائتين.. ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون». ومنهم من قال: يجب أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، قولا واحدا، وما قاله في القديم، فإنما قال ذلك؛ لأن الخيار إلى الساعي عند الشافعي، وعليه أن يأخذ الحقاق؛ لأنها أفضل. إذا ثبت هذا: فإن قلنا: إن الواجب أربع حقاق، فإن كانت موجودة في المال.. لم يجز العدول عنها إلى غيرها. وإن كانت معدومة في المال.. فرب المال بالخيار بين أن يشتري الحقاق، وبين أن يصعد إلى الجذاع، ويأخذ الجبران، أو ينزل إلى بنات لبون، ويدفع الجبران. وإن قلنا: إن الواجب أحد الفرضين، فإن وجد أحدهما في المال.. تعين إخراجه، ولا يطالبه الساعي بإحضار الثاني، وإن عدما جميعا.. كان رب المال بالخيار: بين أن يشتري أحدهما، أو ينزل عن أحدهما، ويدفع الجبران، أو يصعد إلى ما فوقه، ويأخذ الجبران، وإن وجد الفرضان معا.. ففيه وجهان: أحدهما: وهو المنصوص -: (أن الخيار إلى الساعي، فيأخذ الأفضل منهما)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]. فلو قلنا: الخيار إلى رب المال.. لكان يخرج الأدون، فيكون قد أنفق خبيث المال. الثاني - وهو قول أبي العباس -: أن الخيار إلى رب المال، فيعطي أي الفرضين شاء، إلا أن يكون ناظرا ليتيم، فلا يجوز أن يعطي إلا أدونهما، وحمل النص عليه إذا خير رب المال الساعي. ووجهه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إياك وكرائم أموالهم». فلو جعلنا الخيار إلى الساعي، لأخذ الكريمة. فإذا قلنا بالمنصوص: فإن كان الفرضان متساويين في القيمة.. أخذ الساعي أيهما شاء، وإن كان أحدهما أكثر قيمة.. كان على الساعي أن يأخذ أفضل الفرضين. فإن أخذ الأدون: قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (كان على رب المال أن يخرج الفضل، ويعطيه أهل السهمان). واختلف أصحابنا فيه: فمنهم من قال: أراد بذلك: إذا أخذ الساعي الأدنى بغير عمد منه، أو من رب المال، مثل: أن يكون رب المال قد أظهرهما، وأدى الساعي اجتهاده إلى أن الذي يأخذه هو الأفضل، ثم بان أنه الأدنى.. فإنه يخرج الفضل. فأما إذا أخذ الأدنى بتفريط منهما، أو من أحدهما، بأن لم يظهر رب المال له الفرض الآخر، أو أخذه بغير نظر، أو مع العلم بأنه الأدنى.. فلا يجزئه إخراج الفضل، بل يجب رد المأخوذ إن كان باقيا، أو قيمته إن كان تالفا، ويجب على رب المال أن يخرج الفرض الأجود. ومنهم من قال: إن كان الساعي قد أخذ الأدون، وفرقه على المساكين.. لم يمكن رده؛ لأنه تالف، فيخرج الفضل هاهنا. فأما إذا لم يكن الساعي فرقه: فإنه يرد إلى رب المال، ويؤخذ الأجود. ومنهم من قال: يجزئه المأخوذ بكل حال، ويخرج الفضل؛ لأن كل واحد منهما فرض بحال، وهل يكون إخراج الفاضل واجبا، أو مستحبا؟ فيه وجهان: أحدهما: أنه مستحب؛ لأن الفرض الذي أخرجه قد أجزأ، إذ لو لم يكن مجزئا.. لوجب رده، وإخراج الأجود. والثاني - وهو المذهب -: أن إخراج الأفضل واجب؛ لأن الواجب على الساعي أن يأخذ الأجود، فإن تركه، وأخذ الأدون.. فقد أخذ بعض ما وجب له، فصار بمنزلة ما لو وجب له خمسة دراهم، فأخذ أربعة. فإذا قلنا: إن إخراج الفضل مستحب.. أخرجه كيف شاء. وإن قلنا: إنه واجب، فإن كان الفضل يسيرا لا يمكنه أن يشتري به جزءا من حيوان.. فرقه دراهم، وإن كان يمكنه أن يشتري به جزءا من حيوان.. فهل يلزمه؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه؛ لأن ذلك يشق. والثاني: يلزمه لأن إخراج القيمة في الزكاة لا يجوز. فإذا قلنا بهذا: فهل يجب عليه أن يشتري من جنس الأجود منهما، أو يجوز له أن يشتري من جنس الأدون منهما؟ فيه وجهان. وإن وجد أحد الفرضين، وبعض الآخر. أخذ الموجود، ولا يجوز أن يأخذ بعض الموجود ويضم إليه غيره مع الجبران. وإن وجد في المال ثلاث حقاق وأربع بنات لبون، فإن أخذ الثلاث الحقاق وبنت لبون وجبرانا واحدا، أو أخذ أربع بنات لبون وحقة ودفع الجبران.. جاز، وإن أخذ ثلاث بنات لبون مع كل واحدة جبران، وحقة.. ففيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأنه قد عرف ما بينهما. والثاني: لا يجوز؛ لأنه عدل إلى الجبرانات مع إمكانه أن يأخذ جبرانا واحدا، فلم يصح. وإن كان الفرضان معيبين. لم يجز أخذهما؛ لأن المعيب لا يجزئ أخذه عن الصحاح، ويقال له: إما أن تشتري صحيحا، أو تصعد وتأخذ الجبران، أو تنزل وتدفع الجبران. .[فرع: جواز دفع بنات اللبون أو الحقاق] فإن ملك أربعمائة من الإبل.. فعلى الطريقين في الأولى:فإن قلنا: يجب أحد الفرضين.. فله أن يأخذ عشر بنات لبون، أو ثماني حقاق، فإن أراد أن يأخذ أربع حقاق وخمس بنات لبون.. فعامة أصحابنا قالوا: يجوز. وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يجوز، كما لا يجوز مثل ذلك في المائتين. وهذا ليس بشيء؛ لأن كل مائتين فريضة منفردة بنفسها، فأشبه إذا انفردت. وبالله التوفيق. .[باب صدقة البقر] الأصل في وجوب الزكاة فيها: قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. والبقر من الأموال.وروى أبو ذر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البر صدقته». إذا ثبت هذا: فأول نصاب البقر ثلاثون، ولا شيء فيها قبل ذلك، وهو قول كافة الفقهاء، إلا ما حكى عن الزهري، وسعيد بن المسيب: أنهما قالا: (في كل خمس من البقر شاة)، كالإبل. دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر معاذا أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة». وروي: أنه أتي بما دون ذلك، فقال: «لم أومر فيها بشيء، وسآتي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسأله عن ذلك، فرجع معاذ، فلم يلق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». وفي رواية: أنه سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: «ليس فيها شيء». إذا ثبت هذا: فيجب في الثلاثين تبيع، وهو الذي دخل في السنة الثانية، هذا هو المشهور. وقال صاحب ["الإبانة" ق \ 114] هو اسم للعجل الذي يتبع أمه، وإن لم يستكمل سنة، وسمي: تبيعا؛ لأنه يتبع أمه. وقيل: سمي بذلك؛ لأن قرنيه تبعا أذنيه. ثم لا شيء في زيادتها، حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين.. وجب فيها مسنة، وهي التي دخلت في السنة الثالثة، ثم تستقر الفريضة، فلا يجب فيها شيء حتى تبلغ ستين، فيجب فيها تبيعان، ثم يجب في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة. فإذا بلغت مائة وعشرين.. فقد اجتمع فيها فريضتان، وهي ثلاث أربعينات، أو أربع ثلاثينات، فيكون على الطريقين في الإبل إذا بلغت مائتين. وقال أبو حنيفة: (إذا بلغت أربعين.. فيها مسنة)، كقولنا: فإذا زادت.. ففيها ثلاث روايات: إحداهن: مثل قولنا، وبه قال مالك. والثانية: (لا شيء فيه، حتى تبلغ خمسين، فيجب فيها مسنة وربع مسنة). والثالثة - وعليها يناظرون -: (أنها إذا زادت على الأربعين شيئا.. وجب فيها بالقسط من المسنة). دليلنا: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «خذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة». فظاهر هذا: أن زكاة البقر لا تتعلق إلى بهذين العددين. |